نص الخطبة
یقول اللهُ تعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾.
للصومَ ثلاث مراتب او ثلاثة انواع: ، الأول: هو صومُ الجسد، والثانی: صومُ الجوارحِ، و الثالث: صومُ القلبِ، وهو أعلى وأفضلُ أنواع الصوم ومراتبِه.
أما صومُ الجسدِ، فقد عبَّرتْ عنه بعضُ الروایاتِ بصومِ البطنِ، وهو الامتناع والإمساکَ عن الطعام والشراب وسائر المفطِّراتِ الشرعیة، وهذه المرتبةُ من الصومِ وإنْ کانت هی أدونَ المراتبِ من حیثُ الفضل إلا أنَّها تسقط التکلیف الشرعی الذی افترضه الله على الانسان فی الصیام عن الطعام والشراب والمفطرات فی شهر رمضان، وتمنح من أمتثل هذا التکلیف من طلوع الفجر الى غروب الشمس فی الشهر المبارک الجزاء والفضل والأجر والثواب الجزیل .
فقد روی عن رسولِ الله (ص) أنَّه قال: “مَن منعَه الصیامُ مِن طعامٍ یشتهیه کان حقَّاً على اللهِ أنْ یُطعمَه من طعامِ الجنَّةِ، ویَسقیه من شرابِها”.
وعنه(ص): طوبى لمن ظمأ او جاع لله اولئک الذین یشبعون یوم القیامة.
وعن الصادق (علیه السلام): من صام لله عزوجل یوما فى شدة الحر فاصابه ظمأ وکل الله به الف ملک یمسحون وجهه ویبشرونه حتى اذا افطر.
وعن أمیرِ المؤمنین (ع) أنَّه قال: ” نومُ الصائمِ عبادةٌ، وصمتُه تسبیحٌ، ودعاؤه مستجابٌ، وعملُه مضاعَفٌ، إنَّ للصائمِ عند إفطارِه دعوةٌ لا تُردُّ”.
وأما صومُ الجوارح: فهو امتناع الجوارح عن ارتکاب الحرامِ کلٌّ بما یناسبُها، فصومُ جارحةِ اللسانِ هو کفُّ اللسان عن الکذبِ والغیبةِ والنمیمةِ والبهتانِ والسُخریةِ والتنابزِ بالألقابِ والسب والشتم واللعن وإهانة الناس والنیل منکراماتهم، وصوم جارحة البصر هو غضُّ البصرِ عما حرَّم اللهُ النظرَ إلیه، کالنظرِ لغیر المحارم بتلذذ وشهوة أو النظرِ للصوروالافلام الاباحیة، وصومُ السمعِ هو الإمتناعُ عن الإصغاءِ للغیبةِ والغناءِ واللهوِ والإستهزاءِ وکلامِ المضلِّینَ وأهلِ البِدَعِ، وصومُ الیدِ هو الکفُّ عن الضرب بها والسرقة والسلبِ والنهبِ، وصومُ الرِجْلِ هو عدمُ السعی بها إلى مجالسِ المعصیةِ واللهوِ، ومجالس الذین یخوضونَ فی الباطل ، وهکذا فإنَّ لکلِّ جارحةٍ ما یُناسبُها من الذنوب، وصومُها یعنی الکفَّ عن تلک الذنوبِ.
وقد اکدت الروایات على مثل هذا الصوم واعتبرت ان الصوم الشرعی عن الطعامِ والشرابِ لا یتمُّ ولا یصحُّ ولا یقبل ما لم تصُم الجوارح عن المحرمات والمعاصی.
فقد روی عن السیدةِ فاطمةَ الزهراء (ع) قالت: “ما یصنعُ الصائمُ بصیامِه إذا لم یصُنْ لسانَه وسمعَه وبصرَه وجوارحَه” فالصومُ عن المفطرات لا قیمة له حینَ لا یصونُ معه الصائمُ لسانَه وسمعَه وبصرَه وجوارحَه عن المعصیةِ.
وفی الدعاءِ المأثورِ عن الإمامِ زینِ العابدینَ (ع) قال: “وأَعِنَّا عَلَى صِیَامِه بِکَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِیکَ، واسْتِعْمَالِهَا فِیه بِمَا یُرْضِیکَ، حَتَّى لَا نُصْغِیَ بِأَسْمَاعِنَا إلى لَغْوٍ، ولَا نُسْرِعَ بِأَبْصَارِنَا إلى لَهْوٍ، وحَتَّى لَا نَبْسُطَ أَیْدِیَنَا إلى مَحْظُورٍ، ولَا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلى مَحْجُورٍ، وحَتَّى لَا تَعِیَ بُطُونُنَا إِلَّا مَا أَحْلَلْتَ، ولَا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إِلَّا بِمَا مَثَّلْتَ، ولَا نَتَکَلَّفَ إِلَّا مَا یُدْنِی مِنْ ثَوَابِکَ، ولَا نَتَعَاطَى إِلَّا الَّذِی یَقِی مِنْ عِقَابِکَ”.
فالصیامُ الذی یَسألُ الإمامُ (ع) ربَّه العونَ علیه هو کفُّ الجوارحِ عن المعاصی، فبذلک یتمُّ الصومُ الحقیقیُّ الذی یقبله اللهُ ویثیب علیه.
ولذلک وردَ أنَّ النبی (ص) سمع امرأةٍ صائمةٍ تسبُّ جاریةً لها، فدعاها النبیُّ (صلَّى الله علیه وآله) وأمرها ان تتناولِ الطعامِ، فامتنعتْ وقالت انا صائمةً یا رسول الله، فقال(ص): کیف تکونینَ صائمةً وقد سبَبتِ جاریتَک؟! إنَّ الصومَ لیس من الطعامِ والشرابِ، وإنَّما جَعل اللهُ ذلک حجاباً عن سواهما من الفواحشِ من الفعلِ والقولِ.. ثم قال (ص): ما أقلَّ الصُوَّامَ وأکثرَ الجُوَّاعَ!”
ووردَ عن الإمامِ الصادقِ (ع): “إذا صُمتَ فلیصُمْ سمعُک وبصرُک وشعرُک وجلدُک .. ثم قال: لا یکونُ یومُ صومِک کیومِ فِطْرِک”.
فللجلدِ والشعرِ صومٌ کما لکلِّ جارحةٍ صومٌ، فإذا صافحَ الرجلُ الأجنبیَّةَ فهو ممَّن لم یصمْ جِلدُه، وهکذا حینَ تأذنُ المرأةُ للطبیبِ أنْ یمسَّها دونَ ضرورةٍ فهی ممَّن لم یصُمْ جِلدُها، وکذلک حینَ تکشفُ المرأةُ شعرَها أمامَ الأجنبیِّ فهی ممَّن لم یصُمْ شعرُها، فللجلدِ والشعرِ صومٌ کما للسمعِ والبصرِ صومٌ.
وأما النوع الثالث من الصومِ: فهو صومُ القلبِ، وهو أعلى مراتبِ الصومِ کما قال أمیرُ المؤمنین (ع) فیما رُوی عنه قال: “صومُ القلبِ خیرٌ من صیامِ اللسانِ، وصیامُ اللسانِ خیرٌ من صیامِ البطنِ”.
وصومُ القلبِ یعنی صونَ الفکر والعقل والقلبِ عن التفکیر فی الحرامِ، وعن خواطر السوء والنوایا الشریرة، فصومُ الجوارحِ هو أنْ لا تفعلَ الحرامَ ، أمَّا صومُ القلبِ فهو أن لا تُفکِّرَ فی فعلِ الحرامِ ، فلا یخطُرُ فی بالک وفی قلبِک ان تفعل حرامِا لا تحدثک نفسک بالمعصیة، صومُ القلبِ یعنی ان تنفر من الذنب کما ینفرُ أحدُنا من الجِیفةِ النتنةِ.
وهذا النوع من الصوم هو أکمل الصوم واتم الصوم وهو الذی یحقق غایةُ الصومِ وهدف الصوم وهو التقوى کما قال تعالى: ﴿کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾.
وکذلک فإنَّ من معانی صومِ القلبِ تطهیرَه من الأحقادِ والأضغانِ والکراهیة والکِبرِ والحسدِ والعجبِ والأنانیَّةِ وغیر ذلک من الأمراضِ القلبیَّةِ.
والوصول الى هذه المرتبة لا یتحقق الا بمجاهدة النفس، وعدم الاستسلام أمام ضغط الشهوات والملذات والأهواء والطموحات والمصالح الشخصیة، والتدرب على الطاعات وفعل الخیرات، وشهر رضان هو فرصة لخوض هذا النوع من التدریب وجهاد النفس وحملها على التقوى والورع عن محارم الله.
فی الاسبوع الماضی شهدنا عدوانا جدیدا على غزة وقد تمادى الاسرائیلی فی عدوانه على أبناء غزة هذه المرة فسقط العدید من الشهداء والجرحى ودمرت الکثیر من المبانی السکنیة، ولکن ما هو أسوأ من العدوان الاسرائیلی کان الصمت العربی على العدوان، والانتقادات التی وجهت عبر بعض وسائل الاعلام العربیة لفصائل المقاومة، حیث ان ذلک کان بمثابة الغطاء للعدوان، وأوحى وکأن بعض الانظمة العربیة تؤید العدوان وتنحاز لاسرائیل تماما کانحیاز امیرکا والدول الغربیة لها ولعدوانها، وهذا یکشف عن حجم التواطؤ العربی الرسمی مع الکیان الصهیونی .
ولکن العدوان وبالرغم من وحشیته فشل فی تحقیق أهدافه، وکشفت المقاومة عجز العدو عن تغییر قواعد الاشتباک مع المقاومة، واثبتت المقاومة مرة جدیدة جهوزیتها وفاعلیتها فی التصدی للعدوان، وکشفت عن تطور مهم فی أدائها وقدراتها الصاروخیة، مما یعنی انها امام فرصة جدیة لتعزیز قدراتها الردعیة فی مواجهة الاعتداءات الاسرائیلیة.
ومثل العدوان الاسرائیلی على الشعب الفلسطینی، العدوان الامیرکی على الشعب الایرانی والجمهوریة الاسلامیة فی ایران، فالعقوبات التی تواصل الادراة الامیرکیة فرضها على الشعب الایرانی والجمهوریة الاسلامیة تکشف عن عدوانیة أمریکیة تجاه دول وشعوب المنطقة، وجنوح نحو الهیمنة والاستفراد والابتزاز وتوتیر المنطقة والعالم.
لقد أثبتت التجربة منذ انتصار الثورة الاسلامیة، ان ایران لا تخضع للإبتزاز والهیمنة، وانها تملک من الارادة والعزم والقوة ما یجعلها تتجاوز التحدیات والعقوبات وتدافع عن نفسها وتنتصر لحقوقها.
اما فی الشأن اللبنانی فلا تزال النقاشات فی الحکومة جاریة حول الموازنة والذی نعتقده هو ان الحکومة معنیة بالبحث عن أسالیب مجدیة لسد العجز بعیدا عن حقوق الموظفین ذوی الرواتب المحدودة، وفی مقدمة ذلک العمل بشکل فعلی وجدی على سد منافذ الهدر والفساد، ووقف التهرب الضریبی، والانفاق غیر المجدی، والعمل على إقناع المصارف بتحمّل مسؤولیّاتها، لانها تستطیع ان تساهم بشکل اساسی فی خفض عجز الموازنة.
المصدر: العلاقات الاعلامیة فی حزب الله